عمرو عبيد (القاهرة)

أن تفوز بلقب كبير أو ألقاب عدة، قد يكون أمراً عادياً لدى البعض، لكن أن تحصد الألقاب بأسلوب فني ثابت لا يتغير وشخصية متميزة لا يوجد لها مثيل لدى الآخرين، بل تُجبر «كبار إنجلترا» على الخضوع لطريقة لعبك وتفرض سيطرتك القوية على «البريميرليج» لتُتوّج به 4 مرات في آخر 5 سنوات، فهذا ما يوصف بـ«العبقرية» وامتلاك «شخصية البطل»، وهو أمر ليس غريباً على «سيتي بيب». السرعة والقوة والصراعات البدنية ميّزت «البريميرليج» كثيراً في سنوات ماضية، لكن انتقال «الفيلسوف» جوارديولا إلى «قلعة السيتيزن» قلب الدوري الإنجليزي رأساً على عقب، فهو «صاحب الكرة» والاستحواذ الكبير والتمريرات القصيرة واللعب الهجومي الجمالي المُمتع، وانعكس ذلك على كثير من الفرق الإنجليزية، لكنها لم تتمكن من مجاراة بيب في أغلب المواسم. وتشير الإحصاءات الفنية إلى أن متوسط نسبة امتلاك «البلومون» للكرة زاد هذا الموسم ليبلغ أعلى معدلاته مقارنة بالمواسم الـ5 السابقة، وهو ما يعكس إصرار وعناد «سيتي بيب» على فرض أسلوبه وهيمنته رغم محاولات المنافسين إحباط ذلك، وبلغ المتوسط في «نسخة البطل» الأخيرة 68.1% مقارنة بـ 60.8% في الموسم الماضي، وإذا كان منطقياً أن يبدأ بيب حصاده المتميز في موسم 2017-2018 بمعدل استحواذ 66.4%، مع تراجعه النسبي في نسخة 2018-2019 ثم 2019-2020 إلى 64% و62.6% على الترتيب، فإن ما قدمه «العبقري» هذا الموسم يؤكد أن تفوقه لم يأتِ نتيجة صدمة بداية التغيير التكتيكي الذي أجبر «البريميرليج» على الدخول فيه، بل هو امتداد لشخصية فريقه القوية التي خضع لها الجميع في إنجلترا. ويتصدر سؤال المشهد الإنجليزي حول أية شخصية قوية يملكها هذا «الفيلسوف»، فالمدرب الإسباني حافظ على معدلات التمرير ودقته بصورة «خيالية»، بل إنها زادت موسماً تلو الآخر، حيث مرر أكثر من 25500 تمريرة خلال هذا الموسم وبلغت دقتها 89.7%، وهي نسبة النجاح الأعلى على الإطلاق خلال المواسم الأخيرة، إذ جاءت الانطلاقة في أول نسختين بدقة تمرير بلغت 89%، ثم ارتفعت نسبياً إلى 89.3% في نسخة 2019-2020 ثم 89.4% في البطولة التالية، وبقي السيتي فوق قمة تلك القائمة مقارنة بجميع الفريق، مثلما كان الحال بالطبع فيما يتعلق بالاستحواذ. وباستثناء نسخة 2020-2021 التي أنهي فيها «البلومون» الدوري بمعدل تهديفي بلغ 2.2 هدف/ مباراة، لم يعرف «سيتي بيب» معدلات تهديفية أقل من 2.5 هدف في كل مباراة مثلما فعل في نسخة 2018-2019، وهو ما تجاوزه هذا الموسم بمتوسط 2.6 مقابل 2.7 في بطولة 2019-2020، في حين حصد متوسط 2.8 في ظهوره الباهر بنسخة 2017-2018 ليُحقّق أفضل معدلاته التهديفية آنذاك.

أفكار «الفيلسوف»
إذا كانت الأرقام الدالة على استمرار هيمنة «سيتي بيب» واضحة وصريحة، فإن اختيار اللاعبين وتطورهم وانصهارهم في بوتقة أفكار «الفيلسوف» هو مربط الفرس في هذا النجاح، وعلى سبيل المثال يتصدّر «الثلاثي» كانسيلو ولابورت ورودري قائمة أغزر اللاعبين تمريراً للكرات على الإطلاق بين جميع نجوم «البريميرليج»، وبفارق واضح، وأغلب من أتى خلفهم كان من لاعبي الدفاع، بعكس طبيعة ونوع تمريرات كانسيلو ورودري على وجه التحديد، كما أن اعتلاء البرازيلي جيسوس قائمة أكثر لاعبي «البلومون» صناعة للأهداف في الدوري يعكس كيف يتمكن بيب من تطوير أداء اللاعبين وتغيير مراكزهم، حتى لو كان الأمر يُخالف طبيعة لعبهم!